في الثورتين المتتابعتين بتونس و مصر ، لم يكن هناك من صوت يعبر عن روح هذه الهبة المباركة سوى قصيدتين خالدتين لشاعرين كبيرين هما أبو القاصم الشابي التونسي وحافظ إبراهيم المصري ، فمن ملحمة ركوب الأخطار إلى بناة قواعد المجد ، لا نقرأ في هده الأبيات الملهمة إلا كلمات كالخيول الجامعة التي انتظرت أكتر من قرن ليحمل روحها الملتهبة شباب عربي يكتب
تاريخا جديدا ويصعد قمم الجبال ليرسي قواعد مجد جديدة .
مصر تتحدت عن نفسها
شعر حافظ إبراهيم ( 24 فبراير 1872ـ 21 يونيو 1932)
وقف الخلق ينظرون جميعا
وبناة الأهرام في سالف الدهر
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق
أي شيء في الغرب قد بهر الناس
فترابي تبر ونهري فرات
أينما سرت جدوال كرم
أنا إن قدر الاله مماتي
ما رماني رام وروح سليماّ
كم بغت دولة على وجارتَ
إنني حرة كسرت قيودي
قل لمن أنكروا مفارخر قومي
كيف أبني قواعد المجد وحدي
كفوني الكلام عند التحدي
وداته فرائد عقدي
جمالاّ ولم يكن منه عندي
وسمائي مصقورلة كالفرند
عند زهر مدنر عند رند
لاترى الشرق يرفع الرأس بعدي
من قديم عناية الله جندي
ثم زالت وتلك عقبي التعدي
رغم رقبى العدا وقطعت قدي
مثل ما أنكروا ماّثر ولدي
هل وقفتم بقمة الهرم الأكبر
هل رأيتم تلك النقوش اللواتي
هل فهمتم أسرار ما كان عندي
ذاك فن التحنيط قد غلب القدم
ان مجدي في الأويات عريق
أنا أم التشريع قد أخد الرمان
ورصدت النجوم مند أضاءت
وقديما بنى الأطساطيل قومي
فسلوا البحر عن بلاء سفني
أي شعب أحق مني بعيش
نظر الله لي فأرشد أبنائي
إنما الحق قوة من قوى الديان
قد وعدت العلام بكل أبى
امهـروها بالروح فهي عروس
وردوا بي مناهل العز حتى
وأرفعوا دولتي على العلم والأخلاق
وتواصوا بالصبر فالصبر
واستبينوا قصد السبيل وجدوا
يوما فرأيتم بعض جهدي ؟
أعجزت طوق صنعه المتحدي ؟
من علوم مخبوءة طي بردي ؟
وأبلى البلى وأعجز ندي
من له متل أولياتي ومجدي ؟
عني الأصول في كل أحد
في سماء الدجى فأحكمت رصدي
ففرقن البحار يحملن بندي
وسلو البر عن مواقع جردي
وارف الظل أخضر اللون رغد
فشدوا ألى العلا أي شد
أمضى من كل أبيض هندي
من رجالى فأنجزوا اليوم وعدي
تنشأ المهر من عروض ونقد
يخطب النجم في المجرة ودي
فالعلم وحده ليس يجدي
إن فارق قوما فما له من مسد
فالمعالى مخطوبة للمجد
إرادة الحياة
شعر أبو القاسم الشابي (24 فبراير 1909ـ 9 أكتوبر 1934م)
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
و مـن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات
وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج
وفوق الجبال وتحت الشجر:
إذا ما طمحت إلى غاية
ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعيد الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
فعجبت بقلبي دماء الشباب
وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغي لقصف الرعود
وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض و ما سألت :
يا أم هل تكرهين البشر؟:
أبارك في الناس اهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان
هو الكون حي يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر
و قال لي الغاب في رقة
محببة مثل خفق الوتر
يجيء الشتاء شتاء الضباب
شتاء الثلوج شتاء المطر
فينطفئ السحر سحر الغصون
وسحر الزهور وسحر الثمر
وسحر السماء الشجي الوديع
وسحر المروج الشهي العطر
وتهوي الغصون وأوراقها
وأزهار عهد حبيب نضر
ويفنيي الجميع كحلم بديع
تألق في مهجة واندثر
وتبقى الغصون التي حملت
ذخيرة عمر جميل عبر
معانقة وهي تحت الضباب
وتحت الثلوج وتحت المدر
لطيف الحيات الذي لا يعمل
وقلب الربيع الشذي النضر
وحالمة بأغاني الطيور
وعطر الزهور وطعم المطر
Posted in: أدب/فن
