ربيع الحرية في تونس بعيون مغايرة




كتاب «ربيع تونس» يرصد كيف انطلقت الثورة التونسية وأسباب نجاحها

بعد أن أرخى عبد الوهاب المؤدب العنان لأحقاده الاستئصالية في كتب ودراسات من خلال مؤلفات ذات توجه إسلاموفوبي، يطلع علينا صاحب «داء الإسلام» بكتاب جديد،
لكن هذه المرة عن الثورة التونسية تحت عنوان «ربيع تونس. تحول التاريخ» (منشورات ألبان ميشال) قلب معطفه بسرعة راكضا إلى حلبات التلفزيون وأعمدة الصحف والمجلات الفرنسية، التي أصبح له
فيها موطئ قدم، «للنفخ في مزود الثورة» واحتلال الصفوف الأمامية. ولا غرابة إن علمنا أن الرجل يقتات من جميع الموائد، قبل أن يبصق في الصحون
حظيت الثورتان التونسية والمصرية باهتمام الناشرين الفرنسيين، الذين أعاد بعضهم طرح وتجديد أبحاث ودراسات سابقة، فيما برمج البعض الآخر نصوصا ستصدر اتباعا في غضون الأسابيع والأشهر القادمة. ومن الطبيعي أن تسلط الأضواء مجددا على هذه المجتمعات، التي غالبا ما يتم وصفها، بنوع من الاختزال، بأنها واقعة، إلى ما لا رجعة، تحت سيادة اللاهوت والطاغوت. ويندرج تدخل بعض المثقفين والباحثين في اتجاه التزام حقيقي بقضايا الديمقراطية والدفاع عن الحقوق المبدئية والأساسية لحقوق الإنسان، فيما لم يعمل البعض الآخر سوى على ركوب تيار الثورات العربية.
هكذا بعد أن أرخى عبد الوهاب المؤدب العنان لأحقاده الاستئصالية في كتب ودراسات من خلال مؤلفات ذات توجه إسلاموفوبي، يطلع علينا صاحب «داء الإسلام» بكتاب جديد، لكن هذه المرة عن الثورة التونسية تحت عنوان «ربيع تونس. تحول التاريخ» (منشورات ألبان ميشال) قلب معطفه بسرعة راكضا إلى حلبات التلفزيون وأعمدة الصحف والمجلات الفرنسية، التي أصبح له فيها موطئ قدم، «للنفخ في مزود الثورة» واحتلال الصفوف الأمامية. ولا غرابة إن علمنا أن الرجل يقتات من جميع الموائد، قبل أن يبصق في الصحون.
يعطي التوقيع المُهدى لذاكري وذاكرة محمد البوعزيزي، شهيد الثورة التونسية، فكرة واضحة عن وقاحة الرجل الذي ضرب ألف حساب، معتبرا أن مثل هذا التوقيع يمكن أن يلعب دور «حرز» واق ضد الانتقادات المحتملة لمبادرته.
جنس هجين
والكتاب يمزج بين المفكرة والخاطرة الفلسفية أو الصوفية، وعلى القارئ الذي لا ألفة له بالفذلكات المبهمة للمؤدب التحلي بالصبر.
يؤكد المؤدب على عامل المفاجأة التي خلقتها وخلفتها ثورة تونس. إذ لا أحد كان يتوقع أن تتسارع الأحداث في هذا اليوم من 14 يناير 2011. ثم لماذا وقعت في هذا الوقت بالذات؟. ويقارن الكاتب بين أحداث 14 يناير وأحداث 9 نوفمبر 1989 غداة انهيار جدار برلين.
والكتاب مقسم إلى 33 فقرة يتراوح حجمها بين ثلاث صفحات أو أربع، لا يوجد في الغالب بينها أي رابط منطقي، اللهم الإسهاب في تخريجات نظرية بلا رأس ولا قافية، مما يترجم غياب أي نفس وأي تراص في وحدة وتيمات الكتاب.
مرجعية عصر الأنوار
تبقى مرجعية المؤدب هي عصر الأنوار، «لأن الأنوار تخبرنا بأن الحرية، التي تسكن قلب الديمقراطية، هي بحث إنساني ينتمي إلى القانون الطبيعي». يشكل تاريخ الـ14 من يناير إذن قطيعة. قطيعة تكشف عالم ما تغذيه روحيا العروبة والإسلام. مع انبثاق هذه الحرية سنعاين انطلاقة جديدة لتاريخ هذه الدول ولتاريخ العالم أيضا. لكن إعادة انطلاقة التاريخ هذه ستعرف إيقاعات مد وجزر. لقد أبحرنا على متن قارب، بل باخرة سيتقاذفها موج لا يمكن التحكم فيه. المؤكد أن «الأشياء لن تبقى على ما كانت عليه من قبل»، يشير المؤدب.
سيدي بوزيد مجالا لتراكم اليأس
ينقلنا المؤدب إلى سيدي بوزيد التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة. سيدي بوزيد المكان المرمي في الخلاء، والذي كان مجالا رحبا لمجتمع رعوي. في هذا المجال حط الرحال بنو هلال الوافدون من الجزيرة العربية، الذين كانوا المؤلفين لملحمة السيرة الهلالية، التي يعتبر أبوزيد أحد أعلامها. لما وصل إلى السلطة، دعا الحبيب بورقيبة إلى استئصال مخلفات عقلية «السيبة» التي كانت لا تزال سائدة في المجتمع التونسي. ونجح الاستعمار الفرنسي في سياسة تمدين المنطقة وزرع حقول الزيتون، التي أنتجت شريحة من العمال والفلاحين لتضاعف في نفس الوقت أعداد العاطلين الذين لم يستفيدوا من ثمار محاصيل المنطقة، مما دفع بهم إلى الهجرة في اتجاه صفاقس، عاصمة الجنوب. سيدي بوزيد مرتع للسأم والفراغ، وفي هذا المكان، بدأت الحقبة الأولى من الثورة. في إحدى ساحات هذا الحي «احترق محمد البوعزيزي ليساهم فعله في إخراج شعب من سباته المذنب».
بعد هذا القسم التحليلي الذي يستعرض فيه الكاتب التاريخ والجغرافيا والسياسة، ينقلنا إلى قسم «التحقيق الصحافي» المستوحى من عين المكان. لما أحرق محمد البوعزيزي نفسه، كان الكاتب في واحة «سيوا» المصرية. وصله الخبر وكان رفقة بعثة علمية في ضيافة منير نعمة الله المؤسس لمكتب الدراسات من أجل التنمية المستدامة. وكانت البعثة مؤلفة من كوكبة من الأشخاص تابعوا الأخبار المتسارعة والواردة من تونس. ومن مصر، جاءهم خبر العملية التي ذهب ضحيتها أقباط مصريون. وعزا المؤدب، طبعا  بدون فحص ولا تمحيص، العملية إلى ما اعتاد على تسميتهم بـ«الإرهابيين الإسلاميين» و«المتزمتين»، وما شاكلها من النعوت التي تنال رضى وإعجاب المعلقين السياسيين والإعلاميين الغربيين. «مع حريق محمد البوعزيزي، نحن بمنأى عن العملية الانتحارية التي تعتبر آخر انحراف في طور الجهاد». ويضيف الكاتب في نوع من البهرجة النظرية: «يعيد البوعزيزي تجديد مدونة الشرف البوذية..!!».
التعبئة من باريس
يعود صاحبنا إلى باريس ليسرد علينا تواتر الأخبار والأحداث، وليفتح علينا مذكرة مليئة بالثرثرة: ابنته التي «تدخله» إلى عالم «الفايسبوك» و«التويتر»، «ليكتشف الشبيبة التي نجحت في اختراق الرقابة. وفي مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا»، أخرج المؤدب بطاريته النظرية التي تفتقر في الحقيقة إلى أي زخم، مما يخلف الانطباع بكتابة هجينة يغلب عليها التفخم المفاهيمي. في نظره لم يبتكر زين العابدين بن علي الديكتاتورية التونسية، بل ورثها عن الحبيب بورقيبة. «لنا الحق في مؤاخذة بورقيبة بدل مؤاخذة بن علي»، يشير صاحب «مرض الإسلام». وبمجرد غوصه في الإنترنت، بدأ يتماهى مع هذا الشباب الثائر والطامح إلى التغيير. لكن عوض أن يقف عند هذا الحد، شرع في استعراض ماضيه، بنرجسيته المريضة المعهودة، مشيرا إلى مغادرته تونس. كما قدم نفسه ضحية للنظام السياسي! والقارئ لهذه الترهات لا يسعه سوى الضحك أو الاستنكار، فالمعروف عن المؤدب أنه غرف من جميع الموائد، وخاصة من مائدة نظام بن علي.
يقفز المؤدب بعد ذلك إلى إحداث مقارنة سخيفة بين محمد بوعزيزي ويان بالاش، هذا الشاب التشيكي، الذي صب البنزين على جسده قبل أن يشعل عود ثقاب في يناير 1969 للتعبير عن يأسه بعد إجهاض ربيع براغ. بعد أربعين سنة، يتكرر نفس المشهد، لكن هذه المرة في سهوب إفريقيا. «لقد أحدث هذا الفعل (انتحار محمد البوعزيزي) تطهيرا لوعينا الشقي»، يقول الكاتب. بعد أن أفرغ جعبته في هذا الموضوع، بدأ في تكرار نفس الأفكار والأقوال خلال البرنامج التليفزيوني على قناة «فرانس 3»، الذي قفز فيه على الثورة، داعيا إلى انبثاق فاكلاف هافيل تونسي، ومخاطبا صديقه بيرنار هنري ليفي بتورطه في المعمعة. ونعرف مصير هذا النداء الذي دفع في الأخير بالفيلسوف الاستعراضي إلى التدخل في ليبيا، لاستقطاب بعد العناصر الباهتة من المعارضة الليبية لأغراض أيديولوجية وسياسية واضحة. ومن المفارقات الغريبة، بل الصارخة، أن المؤدب تحدث عن نفسه وكأنه أول من خلق الشعلة الأولى للتضامن مع الثورة التونسية عبر النداء الذي أطلقه أثناء هذا البرنامج.
الهاجس الإسلاموي
في كتاباته، قدم المؤدب الشعب ككيان خطير، كتلة تزخر بالتهديد، يمكنها أن تنزلق بسرعة إلى التطرف. واليوم يستدرك الموقف لتمرير خطاب آخر، يكيل فيه المديح لهذا الشعب الذي احتقره بالأمس، لأنه يمثل في نظره مرتعا للتطرف. وبخصوص التطرف خصص المؤدب قسما من الكتاب للحديث عن موضوع ما أسماه «تصديا للإسلاموية». غياب الإسلاميين فاجأ في نظره الجميع. لكنه يعلم أنهم متواجدون، قابعون، سواء في تونس أو في فرنسا، وينشطون في المنظمات المناهضة للعولمة. غيابهم يفسره المؤدب بـ«التقية»، بالخفاء وعدم الظهور. لكن يوم تنكسر شوكة الديكتاتورية سيطفون على السطح للظهور من جديد. لكن تخريجات المؤدب لا يقاسمها بالضرورة من أسماهم الأصدقاء في تونس وفي فرنسا، الذين ليس لهم نفس الموقف فيما يخص الإسلاميين ودورهم السياسي والفكري في المجتمع التونسي. إن المؤدب يعزز هنا أطروحة «المؤامرة» التي يدبرها الإسلاميون في الخفاء»، لذا وجب أخذ الحيطة منهم ومن خطاباتهم. وفي المظاهرة التي نظمت في باريس تأييدا للثورة التونسية، خرج صاحبنا، وليس من عادته الخروج والتظاهر في الشوارع، هو الذي له ألفة بالصالونات، إلى الشارع. وأول شيء أكد عليه الانتباه ما أسماه بحضور الإسلاميين. وخلال المظاهرة انتقده أحد أنصار طارق رمضان. الشيء الذي حذا به إلى القول بأن «التيار الإسلامي موجود وتجب محاربته. إنها المعركة التي تنتظرنا قادما». يعشق المؤدب مناطحة الأشباح التي يخلقها على مقاس الخطاب الإعلامي السائد. فيما أظهر هذا التيار أنه لا يسعى إلى السلطة ولا تحركه مآرب انقلابية. يبدو أن صاحبنا لم يقرأ جيدا هذه الفورة الثورية التي تعرفها اليوم المجتمعات العربية. إن شريحة من الحركات المسلمة أو الإسلامية ليس لها فكر انقلابي أو تآمري، كما يحلو للمؤدب، على هدي قسم من الإعلام الغربي المسخر، تمريره. الإسلاميون، في الأردن، مصر، المغرب، تونس... مثل بقية الشرائح الاجتماعية والسياسية يسعون إلى تحقيق العدالة والديمقراطية في بلد يقوم على الاختلاف. والإسلاميون ليسوا كتلة شمولية ومتراصة. لذا على المؤدب مراجعة سوره في الموضوع، ولإنجاز هذا العمل يجب التأني وأخذ الوقت الكافي لمساءلة الحدث بدل التسلق أو القفز السريع على الحدث لجلب الأضواء من حوله.



زيارة تونس بأعين جديدة
في 18 يناير يصل المؤدب إلى تونس ليشعر بمناخ سيكولوجي آخر. ويصف هذا المناخ، الذي يناقض الانقباض الذي ساد تونس في عهد بن علي. كما لو كان أحد ضحاياه الدائمين، فيما كان يستقبل في الندوات والمناظرات في عهد بن علي بالترحاب. تراءت له رؤوس الناس تعلوها هالة من القداسة وعادت الأوضاع إلى حالتها الطبيعية. وطبعا أوقفه بعض المارة لمساءلته عن مرحلة الانتقال. ومن قبيل الثرثرة، يقحم المؤدب، في معرض حديثه، ابنته وزوجته وكأن القارئ له شغف بالتعرف عليهما. لا نفهم لماذا قبل الناشر هذا النوع من التفاصيل التافهة في موضوع يستحق المعالجة الرزينة والحد الأدنى من الأمانة العلمية والأخلاقية. ومن غير المستبعد أن تخرج ابنة المؤدب، التي تشمرت بكاميرا، بشريط وثائقي عن انتفاضة الياسمين وبه لقطات عن والدها وعن زيارة العائلة لقبر الشهيد محمد البوعزيزي! على المؤدب أن يتأمل المثل القائل: «إن لم تستحِ فافعل ما شئت». إن الأمانة الأخلاقية تقتضي احترام ذاكرة الموتى وبالأخص منهم الشهداء. حين يكتب المؤدب مثلا بأن انتحار محمد البوعزيزي أنعش فيه الشعلة النيتشوية، من حقنا التساؤل: أليس هذا النوع من التخريجات أحد أعراض الهذيان؟ بعد أن أحدث مقاربة بين احتراق البوعزيزي والبوذية ثم صلب اليسوع يخرج علينا بنيتشه. «لم يمت البوعزيزي، بل سيحيى منتصرا بداخلنا ليهبنا حياة المجد» يقول المؤدب.!
ينتعش المؤدب في خراب التاريخ وفي مشاهده الكارثية لأنها توفر له مادة دسمة لسكب قوالبه الجاهزة عن الإسلام والعرب والتأخر والتدني والعنف الخ... وفرت له هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وغيرها من أحداث العنف التي تلتها فرصة لعرض، وبالمجسم، أفكاره الاستئصالية. هنا، ينهل من انتحار محمد البوعزيزي، لتمرير الكذب والإيمان الكاذب.
 almassae

معلومة

يوري جاجارين

يوري ألكسيافيتش جاجارين (بالروسية:Юрий Алексеевич Гагарин) رائد فضاء سوفيتي (9 مارس 1934 - 27 مارس 1968) يعتبر جاجارين أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوارن حول الأرض في 12-أبريل - 1961 على متن مركبة الفضاء السوفيتية

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Blogger Templates | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة